بسم الله الرحمن الرحيم
من كتاب:
تزكية النفوس وتربيتها كما يقرره علماء السلف (ابن رجب الحنبلي – ابن القيم – أبي حامد الغزالي)، جمع وترتيب: الدكتور أحمد فريد، تحقيق ماجد بن أبي الليل، دار القلم بيروت لبنان.
بعض الآثار عن الإخلاص:
فضول المخالطة:
هي الدّاء العضال الجالب لكلّ شرّ، وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة، وكم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من حزازاتٍ تزول الجبال الرّاسياتُ وهي في القلوب لا تزول، ففي فضول المخالطة خسارةُ الدّنيا والآخرةِ. وإنّما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة، ويجعل النّاس فيها أربعة أقسام، متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميّز بينها دخل عليه الشّرّ:
أحدها: من مخالطته كالغذاء، لا يستغنى عنه في اليوم والليلة، فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة، ثمّ إذا احتاج إليه خالطه، هكذا على الدّوام، وهم العلماء بالله وأمره ومكايد عدوِّه، وأمراض القلوب وأدويتها، النّاصحون لله، ولكتابه، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولخلقه، فهذا الضرب في مخالطتهم الرِّبح كلّ الرِّبح.
القسم الثاني: من مخالطته كالدّواء،يحتاج إليه عند المرض، فما دمت صحيحا فلا حاجة لك في خلطته، وهم من لا يستغنى عن مخالطتهم في مصلحة المعاش، وما أنت تحتاج إليه من أنواع المعاملات والاستشارة ونحوها، فإذا قضيت حاجتك من هذا الضِّرب بقيت مخالطتهم من:
القسم الثّالث: وهم من مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه، وقوّته وضعفه، فمنهم من مخالطته كالدّاء العضال والمرض المزمن، وهو من لا تربح عليه دين ولا دنيا، ومع ذلك فلابدّ أن تخسر عليه الدّين والدّنيا أو أحدهما، فهذا إذا تمكّنت منك مخالطته واتّصلت، فهي مرض الموت المخوف، ومنهم الذي لا يحسن أن يتكلّم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها، بل إذا تكلّم فكلامه كالعِصِيِّ تنزل على قلوب السّامعين، مع إعجابه بكلامه وفرحه به، فهو يُحْدث من فيه كلّما تحدّث، ويظنّ أنّه مسك يطيب به المجلس، وإذا سكت فأثقل من نصف الرحى العظيمة التي لا يطاق حملها ولا جرّها على الأرض.
وبالجملة فمخالطة كلّ مخالف للروح فعرضية ولازمة، ومن نكد الدّنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا الضِّرب وليس له بدّ من معاشرته، فليعاشره بالمعروف، ويعطيه ظاهره ويبخل عليه بباطنه، حتّى يجعل الله له من أمره فرَجاً ومخرجاً.
القسم الرّابع: من مخالطته الهلك كلّه، فهي بمنزلة أكل السّمّ، فإذا اتّفق لآكله ترياق، وإلاّ فأحسن الله العزاء، وما أكثر هذا الضّرب في النّاس ـ لا كثرهم الله ـ وهم أهل البدع والضّلالة، الصّادّون عن سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الدّاعون إلى خلافها، فيجعلون السّنّة بدعة والبدعة سنّة، وهذا الضّرب لا ينبغي للعاقل أن يجالسهم أو يخالطهم، وإن فعل فإمّا الموت لقلبه أو المرض.
نسأل الله لنا ولهم العافية والرّحمة. (ص:42، 43).