كان بسيطا عاديا متواضعا في محيطه ومع الناس جميعًا، وفي أواخر الثمانينيات ورث مالا باهظا، وأراضٍ واسعة من أبيه، ومنذ ذلك الحين أخذ يتعالى على الناس قليلا قليلا، حتى صار شخصا آخر، وأصبح من أولئك الذين يظنون أن الله تعالى رفعهم عن مستوى البشر، فلم يعد يُحدث أحدًا إلا مستعليا، شامخا بأنفه، يتكلم بالإشارة، ويجلس في الصَّدارة، ويلهج بغير لغته من غير ضرورة، ولا يلذ له إلا بالإشادة بالحضارة الغربية!
حدثني عنه أحد الأساتذة في شيء من السخرية منه، والرثاء له، ثم أطرق إطراقة خفيفة، شأن من يتذكر شيئا نسيه، أو يريد ترتيب أفكاره وتنسيقها، ثم رفع رأسه وقال: لله در الشاعر إذ يقول:
من كان يملك درهمين تعلّمت
شفتاه أنواع العلوم فقالا
إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهابة وجلالا
فهي العلوم لمن أراد فصاحة
وهي اللسان لمن أراد مقالا
فقلت له: ولكن الذي حدثتني عنه لم تُكسبه الدراهم مهابة وجلالا، بل كسته عنهجية وتعجرفا وصلفا، وجعلته كرة منتفخة فارغة.
ثم قال: دعنا من هذا الذي حدثتك عنه، وحدثني عن الجاهل الغني، والعالم الفقير أيهما خير، وأظن أن سياق حديثنا يدعونا إلى ذلك؟ فقلت له: مما لا شك فيه أن المال يكسب صاحبه مظهرا يلفت أنظار الناس إليه، ويجمع القلوب حوله، ويرفع مكانته بينهم، ويجعله مسموع الكلمة، مخطوب الود، مطاع الرأي، مرغوب التقرب إليه، ولكن كل هذا لا يتجاوز محيط العامة والبسطاء، أما العقلاء ذوو الفكر والنظر، فإنهم إنما يقدرون أصحاب المواهب العالية، كالعلم والمعرفة، والعقل، والذكاء، وكرم الخلق، وحسن الطوية، واستقامة السلوك، فهذه المواهب والمؤهلات النفسية هي التي يجب اعتبارها واحترامها.
أما المال فلا يعتبر معيارا لقيمة الإنسان إلا عند الجهلة وبسطاء الناس، لأنك تملكه اليوم وتفقده غدا، أما المواهب والكفاءات الذاتية فهي معك ما دمت حيا، وأيضا العمران والتمدن وبقاء الأمم إنما تكون بالعلم والعقل والأخلاق. وهل ينفع المال في كل ذلك، إذا ساد الجهل، وساءت الأخلاق، وخربت الذمم.1
حدثني عنه أحد الأساتذة في شيء من السخرية منه، والرثاء له، ثم أطرق إطراقة خفيفة، شأن من يتذكر شيئا نسيه، أو يريد ترتيب أفكاره وتنسيقها، ثم رفع رأسه وقال: لله در الشاعر إذ يقول:
من كان يملك درهمين تعلّمت
شفتاه أنواع العلوم فقالا
إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهابة وجلالا
فهي العلوم لمن أراد فصاحة
وهي اللسان لمن أراد مقالا
فقلت له: ولكن الذي حدثتني عنه لم تُكسبه الدراهم مهابة وجلالا، بل كسته عنهجية وتعجرفا وصلفا، وجعلته كرة منتفخة فارغة.
ثم قال: دعنا من هذا الذي حدثتك عنه، وحدثني عن الجاهل الغني، والعالم الفقير أيهما خير، وأظن أن سياق حديثنا يدعونا إلى ذلك؟ فقلت له: مما لا شك فيه أن المال يكسب صاحبه مظهرا يلفت أنظار الناس إليه، ويجمع القلوب حوله، ويرفع مكانته بينهم، ويجعله مسموع الكلمة، مخطوب الود، مطاع الرأي، مرغوب التقرب إليه، ولكن كل هذا لا يتجاوز محيط العامة والبسطاء، أما العقلاء ذوو الفكر والنظر، فإنهم إنما يقدرون أصحاب المواهب العالية، كالعلم والمعرفة، والعقل، والذكاء، وكرم الخلق، وحسن الطوية، واستقامة السلوك، فهذه المواهب والمؤهلات النفسية هي التي يجب اعتبارها واحترامها.
أما المال فلا يعتبر معيارا لقيمة الإنسان إلا عند الجهلة وبسطاء الناس، لأنك تملكه اليوم وتفقده غدا، أما المواهب والكفاءات الذاتية فهي معك ما دمت حيا، وأيضا العمران والتمدن وبقاء الأمم إنما تكون بالعلم والعقل والأخلاق. وهل ينفع المال في كل ذلك، إذا ساد الجهل، وساءت الأخلاق، وخربت الذمم.1
الرجع: جريدة البصائر: 23/10/1430