دع القلق وابدأ الحياة ، جاسم داود
حدث (ديل كارنيجي) في كتابه النافع ( دع القلق وابدأ الحياة ) عن رجل باع كل ما يملك , وأخذ ما جمعه فاشترى به أرضاً في غرب أمريكا , حين كانت أرضها بكراً , فطمع أن تكون أرضاً خصبة , يستثمرها بزراعتها , ويجمع المال من ثمرتها , فلما بلغها رآها مملوءة بالحيات والثعابين , كلما قتل واحداً منها رأى عشرة , فكاد يفقد من هول الصدمة عقله ويهيم على وجهه مجنوناً , أو يعلق حبلاً في شجرة فيشنق به نفسه , ثم قعد يفكر فرأى أن هذه النقمة يمكن أن تنقلب نعمة ؛ لأنه ما في الدنيا شيء إلا وفيه بعض النفع , فهداه الله بتفكيره إلى أن يجعل الأرض لتربية الحيات والثعابين , يبيع منها لمن يربيها ويهتم بشأنها , وجاء بخبراء يأخذون جلودها لتصنع منها الحقائب والأحذية , ويستخرجون سمها ليصنع منه ترياق فيه الدواء بعد أن كان منه الداء , فاغتنى من ذلك !! ولولا هذا التفكير لكان له شأن آخر .
فأين منا من يأخذ العبرة من هذا المشهد , ويبحث عن المنح في طيات المحن ؟
ومن منا يلتمس رزق الله , ولا ييأس من روح الله حين تنزل به مصيبة أو تحل بماله كارثة ؟
لاسيما ونحن المؤمنون بقضاء الله وقدره , الموقنون بأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين , الذي ضمن رزق كل حي على هذه البسيطة , حتى الطيور المحلقة في السماء , ما دامت قد أخذت بأسباب الرزق فتغدو خماصاً وتروح بطاناً , وإذا كان هذا حال الحيوان , فالمسلم أكرم على الله تعالى منه إذا أخذ بالأسباب , وأدام قرع الباب .
وما أبلغ تلك القصة التي رواها أديب الفقهاء وفقيه الأدباء, الأستاذ الكبير والمربي القدير : علي الطنطاوي - رحمه الله - إذ يقول في رسالته (الرزق مقسوم والعمل له واجب): حدثني الشيخ صادق المجددي-رحمه الله -الذي كان من علماء أفغانستان الكبار, وكان عميد السلك الدبلوماسي في مصر أيام الملكية زمناً طويلاً , أنه كلف يوماً بمهمة رسمية في البلاد الروسية , فخاف أن لا يجد فيها لحماً ذبحه مسلم , ولا يجوز للمسلم أن يأكل ذبيحة شيوعي ملحد , فأمر فذبحت له دجاجتان كانتا في داره , وطبختهما زوجته , ووضعتا في سفرة , وحملها معه لتكون طعامه , فلما وصل وجد في المدينة مسلمين , ودعاه شيخ مسلم إلى الغداء , فاستحيا أن يحمل الدجاجتين معه , ووجد على الطريق أسرة مسلمة فقيرة دلوه عليها , فدفع الدجاجتين إليها .
فما استقر به المقام , حتى جاءته برقية بأن المهمة قد ألغيت , وأن عليه الرجوع إلى أفغانستان في الحال . فرجع , وكأنه ما سافر هذه السفرة , ولا قطع مسافة ألفي كيل , ولا حمل هذه المشقة , إلا لأن الدجاجتين اللتين كانتا ملكه , واللتين طبختهما زوجته , لم تكونا من رزقه , بل كانتا من رزق تلك الأسرة الفقيرة !
فما أعظم رزق الله , وما أجزل عطاءه لمن سعى في الأرض أو مشى في مناكبها وابتغى من رزقه , ونأى بنفسه عن الحرام , وعن المشتبهات من الآثام , حتى إذا ادلهمت به حادثة , أو حلت به كارثة , رفع يديه إلى السماء وقال ملحاً على ربه منكسراً بين يديه : يارب يارب , فيستجيب الله دعاءه ؛ لأن مأكله حلال , ومشربه حلال , وملبسه حلال , ومسكنه حلال , فكيف يرد الكريم الرحيم هاتين اليدين صفرا ؟
فإن ألححنا في الدعاء , ولم نستعجل الإجابة , وما انكشف الضر , وما ارتفع البلاء , فلنفتش في مأكلنا، وملبسنا، ومسكننا , ولنحاسب أنفسنا , ولنراجع حساباتنا , فربما كان فيها مايستحق المراجعة والمحاسبة , كما يراجع التاجر حساباته , أو أكثر دقة .
دمتم برعاية الله
منقول للفائدة
http://zoubir.ahlamontada.net/post.forum?mode=editpost&p=3219